* * *
*
أحمد بن امحمد بن عبدالرحمن الاكراري
-----------------------------------------------------------------------
يقول عنه ابنه العلامة محمد بن احمد الاكراري (صاحب كتاب
روض الأفنان): هو الشيخ الكبير والعلَم الشهير، من له اليد الطولى في تمييز
الأقوال، والخبرة بمقادير فضلاء الرجال، (يقول : أين فلان من فلان)، وبينهما بَوْن
يدركه من له الجَنان، وليس ممن كان يعرف الحق بالرجال، بل ممن يُضرب به في تلك
المسالك الأمثال، قرأ على ابي سالم الاكراري، ثم على ابي سالم المحجوبي، ثم انتقل
لفاس، وكان يجلس في أخريات الناس، ولم يُعبأ به حتى عرض في المجلس السؤال عن مؤلف
"العُتيبة"، فقال المدرس: لعله ابن عَتّاب، فتكلم السوسي فقال: نعم يا
سيدي، مؤلف "العتيبة" محمد بن أحمد بن عبدالعزيز العتبي (المتوفى سنة
255ه)، فلما راجع الشيخ وجلس في كرسي إقرائه، قال له: أُدْنُ مني، فنحَّى الطلبة
حتى أجلسه حِذاءه، ثم إن الشيخ كلما صوَّر صورة الشيخ خليل، يسأله: هل كذا؟ فإذا
قال له: نعم، جاز، وإن سكت أعاد التقرير، ولما قضى نِهْمَتَه رجع فلزم داره، لا
يخرج لمسجد ولا موسم ولا سوق، بل يأتيه رزقه رغدا من كل مكان، يقضي بين الناس
بالتحكيم، ويُسأل من الأكابر، ويجيب بنحو قال مالك، وقال ابن القاسم، وقال فلان،
يحكي قول الأسْمعة كأنه حضر لها، والحاصل أنه فريد عصره، لا ثاني له في قطره، ولم
يُرْوَ أنه أخذ طريقة أحد من الأشياخ، بل لزم الصلاة على النبي التي هي وظيفة من
شبَّ وشاخ، إلى أن أتاه الحِمام، وآذنه بالختام، فقيَّض الله إليه من مدّ يد العدوان،
فأجلسه في منصة الغفران، وفاز بصفقة الخسران، ولم يراع فيه حق العلم، وباء بغضب من
الله بالظلم، جاءه رحمه الله من بونعمان، فقطع عليه الطريق ولد همو هلي ومن معه،
فضربه العبد فقتله، فساقوا الفقيه على بغلته إلى أن وصل لعوينة محل بوحلايس،
فقتلوه ومثلوا به. وذلك بتاريخ 1294ه موافق 1877م، وما اشبه هذا بأفعال بني إسرائل
بأنبيائهم، قال صلى الله عليهم وسلم: "علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل"،
وحين قتلوه غارت عينهم أعواما، وقد مسخ الله القاتل مسعود وَّاسيف، فاسود وجهه
وجسمه بعدما كان أبيض أمهق، وقد بان عليه العنوان، قبل أن يدنى للقُربان، وحسبان
الملكان، وقد أُكلت داره، وأهين شيطانه ومقداره، فرحل مشتت الشمل مهانا حيثما حل،
(فانظر كيف كان عاقبة الظالمين)، وكذلك من تسبب في ذلك، كان زعيم ما هنالك، الظالم
علي بن بِرُّو، الفاجر الخاسر، أهلكه الله على يد من انتصر للحق، من ولاة السلطان مولاي
الحسن الأول الذي دق صلبه غاية الدق، فلم يسلم من تسبب، ولا من باشر واحترب، قال
صلعم (من حارب وليّي فقد آذنته بالحرب، والعلماء أولياء الله، إن لم يكن العلماء
أولياء الله فليس لله ولي)، وقال تعالى: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم
يحزنون)، وكانت آخر كلمة قالها على ما قيل: (إن المتقين في جنات ونهر، في مقعد صدق
عند مليك مقتدر). وقد رثاه ابنه راوي هذه الترجمة فقال:
وما فقد مثل الشيخ إلا مصيبة * تكر على
جلد الجليد فينمح
علمنا يقينا أنه حل منزلا * عليا به
الأرواح للرسل تسرح
فزال عن الأكباد ما اغتم واشتوى *
حشاشتها فالقلب من ذاك يفرح
أعاضك يا عثمان ربك مثله * فأنعم به
واحمد خليقك تربح
وكان والده سيدي امحمد بن عبدالرحمن الاكراري قبل ذلك في
حياته قد تعرض أيضا لمحاولة اغتيال بسبب حكم أبرمه على جبار معدود لديه بين الناس،
فستره الله ونجا منه بأعجوبة، ليعيش الى وفاته سنة 1228ه.
ويقول المختار السوسي عن المترجم في كتابه رجالات العلم:
يلقب سيدي احمد الاكراري أيضا بأضرضور (أي الأصم)، علامة جهبذ عالي المنزع، وبحر
طافح زاخر بالمباحث العلمية، متمكن غاية التمكن، ورث العلم عن والده وجده، أخذ عن
أبي سالم المذكور، وعن ابراهيم المحجوبي في مدرسة الدودرار قبيلة إداورسموك، ثم
تضلع في فاس، ولم يتوجه إليها حتى تمكن ودرس، فجعل همته في الفون التي لا تروج في
سوس، وفي استزادة ما يكون هناك موفورا، فآب ريان متوقد الذهن نافذا في كل فن، حتى
ليحكى في استحضاره عجب، قال عنه مسعود المعدري: لا يليق أن يتصدر للتدريس غير
أضرضور، وقد شهد له أشياخه العلماء الفاسيون بالتفوق، فقالوا لابن يدير حين ذهب
الى فاس: أتترك وراءك فلانا وتأتي هنا؟ درس قليلا وقضى وأفتى كثيرا، وقد انفرد بعد
موت ابراهيم، فكان أحد أفراد علماء أفذاذ تجاوروا هناك، فأشرقت بهم المباحث التي
أولعوا باستشارتها لأدنى شيء، فجَرَوْا خيلا عتاقا، ما منهم إلا يعبوب، ثم ابتلى
بولد لم يسلك الجادة، فجر عليه ما جر ففتك به أهل العوينة بتيزنيت، في رجب 1294ه، موافق
سنة 1877م، وميلاده في 1218ه.
وتصادف سنة وفاته وقوع أحداث
في المغرب، منها وفاة العلامة المؤرخ الكبير محمد بن احمد أكنسوس، صاحب كتاب الجيش
(في 29 محرم 1294ه)، كما توفي عالم المغرب المهدي بن الطالب بن سودة الفاسي (3
رمضان 1294ه)، وفي هذه السنة أيضا ورد على السلطان مولاي الحسن الأول العلوي عدة
سفراء من أوروبا وهم: سفير فرنسا، وسفير اسبانيا، وسفير البرتغال، أسفرت عن إرسال
السلطان لبعثة مغربية تتكون من 3 قياد الى مدريد باسبانيا، وجمع جيوش القبائل
المغربية ومنها جيش مراكش تحت قيادة أخيه مولاي عثمان بن محمد العلوي، وجيش الرباط
تحت قيادة عمه مولاي الامين بن عبدالرحمن العلوي، وجيش الدير تحت قيادة أخيه مولاي
الحسن الصغير بن محمد العلوي. وفي هذه الفترة وقع اضطراب في السكة المالية بمراكش والحوز
حيث قلت فلوس النحاس بسبب غلاء صرف الريال الفرنسي، وفيها أيضا عين السلطان مولاي
الحسن الأول عاملا على مدينة الرباط القائد عبدالسلام بن محمد السوسي.
*
* * *
مشجر علماء عائلة الاكراري
* * *
*
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire